من أخلاقيات مهنة التصميم
أن تكون متقنا في أداء مهامك فذلك أمر مطلوب مهم، وأن تكون مبدعا فهذا أمر أهم وأفضل، وفوق كل ذلك نجد في كل مهنة ومجال عنصر مهم لا يفقهه إلا من ينشد الاحتراف ويصبو إليه، ألا وهو توظيف الأخلاق وتحكيم الضمير خلال مباشرة المهام وتقديم الخدمات، فكيف الحال بالنسبة للتصميم الفني في هذا الشأن؟
أولا علي أن أبيّن نقطة مهمة هنا قبل التعمق في الموضوع وهي الفصل بين مرحلتي الهواية والاحتراف بالنسبة للمصمّم، حيث نجد أن هناك ماهو حلال -إن جاز التعبير- في المرحلة الأولى فيما يصبح محّرما في الثانية، فالمبتدئ في مراحله الأولى يقوم بأعمال تدريبية يحفظها في جهازه فقط ولا تعدو أن تكون محاولات شخصية لا ترقى لتنشر أو تطبع على أساس تجاري ربحي، كتقليد شعارات عالمية، وتصميم أعمال لشركات مشهورة وكأنّها طلبات حقيقية من زبائن وعملاء، كل هذا مسموح بل مطلوب في تلك المرحلة لما فيه من فوائد ذكرت في مقالات سابقة.
ولكن بعدما يتحول المصمم للأعمال التجارية وتسنح له فرصة إنتاجها فعليه أن يتحلى ببعض الصفات، ويتخلى عن أخرى تصبح في حكم المحظور بمجرد كونه محترفا، فالتقليد دون احترام للحقوق ودون استشارة المالك الأصلي مثلا يصبح غشا وتعديا على جهود الغير ولا يعقل أن نهضم حقوق أي كان وننسب أعمالا ليست لنا لأنفسنا فقط من أجل أهداف مادية ومكانة زائفة دنيئة بين الناس، فللتصميم أعراف وضوابط علينا احترامها والحذر من تخطّيها، كما أن هناك خطوطا حمراء لا ينبغي القفز عليها ولعلي أذكر من بينها:
- استقبال المشاريع المشبوهة مثل تصميم الماركات المقلّدة، مثل ما تعلّق بالتغليف أو الدعاية لأي منتج يندرج تحت غطاء العلامة غير الأصلية، فعلى المصمم أن يتّسم بالشجاعة ويرفض أن يتورط في تصرّفات مثل هذه من باب الضمير وعدم إضرار المستهلك، زيادة على كونها أمرا محظورا قانونا وشرعا يكلّف صاحبها والمشارك معه في الجريمة أحكام السجن والغرامات وما إلى ذلك.
العملية عادة تبدأ بطلب زبون تصميم علبة لمنتج استورده بشكل مجمل في حاوية كبيرة، ليدخلها في مخازنه ويغلّفها في علبة تحمل علامة تجارية مشهورة بالإتقان وذات صيت وصدى واسع، فاحذر أخي المصمم واستشعر العواقب عندما يضرّ المستهلك، وضع نفسك مكانه حين تذهب لشراء بضاعة ما ظنا منك أنها أصلية لكنها مقلّدة ومزيفة داخل غلاف يظهر خلاف ذلك.
عليك في هذه الحالة أن تطلب من الزبون حين يأتي لطلب الخدمة أن يحضر بيانا من الشركة الأم تجيز له استعمال علامتها التجارية، ثم تقرّر العمل بعد ذلك، ولا تأخذ الأمور بالبساطة، فللاحتراف ضرائبه وهذا مثال فقط.
- من أخطر ما يقع فيه المصمم استعماله لمهارته في الفوتوشوب أو غيره، في تزوير عقود، أو شهادات، أو حتى عملات، حيث يغمس نفسه في المشاكل من حيث يدري أو لا يدري، فلزاما عليه أن يكون أداة بناء وإصلاح، لا هدم ودمار، ومهمته تحقيق أهداف العملاء المشروعة لا الممنوعة والمحرّمة، وكم مرّة قرأنا في الجرائد عن إلقاء القبض على عصابات تزوير وغش، وإنزال أقصى العقوبات القانونية على كل من ضبط متلبّسا بمثل تلك الجرائم، فاتق الله أولا، وابتعد عن كل ما من شأنه أن يدمّر مستقبلك، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
- صورة أخرى من الصور السلبية التي على المصمم أن يحذر من الوقوع فيها هي سرقة الأعمال واستعمال تصاميم كاملة أو بعضها في أعمال تجارية، دون استشارة صاحبها الأصلي، فهنا يقع في أخطاء عدة، كالاستيلاء على جهد الغير، ونسبة ذلك الجهد له دون أي حرج، وكذا الربح من وراء ذلك كله، فإن كنت أخي المصمم تريد أن ترفع من مستواك وحسك الفني فهذا حقّك لكن ليس على أكتاف غيرك، حاول أن تستنبط الأفكار وتستفيد من الموجود بطريقة ذكية وحكيمة، ولا تجعل الجانب المالي والربح السريع همّك الرئيسي في حين تضيّع الأخلاق، فتصور حين يكتشف الناس خداعك لهم بعد مدة، وهذا ما هو مؤكد مهما طال الزمن أو قصر.
- الخطأ الآخر الذي يقع فيه المصمّم من باب الجهل أو العمد هو استعمال صور ومواد خاصة بزبون معين في أعمال زبون غيره دون علمه ورضاه، فالعرف في التصميم يقتضي المحافظة على حقوق كل زبون مما يملك لدى المصمّم من أرشيف لصور بضاعته ومنتجاته، ولا يعقل أن يجدها مطبوعة منشورة في عمل غير عمله، دون تصريح منه، والأدهى والأمر لو يتم نشر صور تلك المنتوجات الخاصة به في أعمال زبون منافس له.
وفي نفس السياق أوصيك أخي المصمم بحفظ أسرار أي عميل لديك، فقد اختارك عن ثقة وعمل معك، فعامله بالمثل واحفظ أعماله وأسراره ولا تكن بوقا تصرّح بمشاريعه وأفكاره المستقبلية لغيره من العملاء، خاصة إن كانوا منافسيه أيضا.
- استعمال مهارة التصميم في غير ما يرضي الله عز وجل، فعلى المصمّم أن يجتنب أعمال العري والفسق والإشهار لها، كإعلانات الدعاية للحفلات أو الألبومات الغنائية مهما كان فيها من أموال وفوائد كبيرة ومعتبرة، فهي آنية مؤقتة زائلة، فيما تبقى السيئات ملاحقة ملازمة، فتصور أخي المصمم أنك عملت على تصميم فاتن لامرأة في إطار الدعاية لمنتج مثلا، وطبعت من ذلك العمل آلاف النسخ، ومرّ على تلك اللافتة آلاف الناس وشاهدوها مرارا، فكم من الوزر تجني من وراء ذلك؟، دعك من كل هذا وتيقّن أن الرزق بيد الله وحده، واستعمل ذكاءك وحنكتك في اقتراح بدائل لكل من يطلب منك مثل هذا النوع من الأعمال، واعتمد الأسلوب الدعوي قبل أن ترفض وتمنع، كأن تقترح على الزبون تصميما آخر نظيفا، وتتركه يحكم بنفسه، فإن رضي وقبل بالعمل فهذا أمر جيد، وإلا فالرزق على الله وليس يبده، ولك أن تلاحظ أن هناك ماركات عالمية مرموقة ومشهورة لم تستعمل أبدا المرأة بضاعة لتسويق منتجاتها، بل هي موضة مقلّة فقط دون أي قناعة ومبادئ، فليس الطريق للنجاح والثروة من باب العري والتفسخ، ولكن رضا الله هو الأول والأخير، والله هو الزراق ذو القوة المتين.
- الكذب في المواعيد، والتسويف في الأعمال كلها تصرّفات لا يجدر أن تصدر ممن يدّعي الاحترافية، فعليك أخي المصّمم أن تكون عند كلمتك، وحينما تصدر وعدا لأحد عملائك لا يجب عليك تأخيره إلا لضرورة، فإن كنت ملتزما جادا قبل الناس عذرك وهم مقتنعون بأنه ليس من عادتك التأخير وخلاف الوعد، لكن إن انتشر فيهم اتصافك بالتسويف والعبث بالوعود فهذا مؤشر خطير لا يبشر بالخير فيما تبقى لك من مشوارك المهني، فكن صاحب كلمة تفز دنيا وأخرى.
- عدم تقبل النقد والملاحظة، فكل شخص منا معرّض للخطأ والزلل، خاصة في مجال تحكمه الأذواق بالإضافة لقواعد تقنيّة وفنّية، فكن متواضعا أخي المصمم، وتقبل الرأي الآخر، واعلم أن انفتاحك على غيرك سبب مهم في رقيّك وتطوّرك، وعامل أساسي لترسيخ رصيدك المعرفي وتقوية حجتك، وتعامل بالحكمة والرد الحسن الجميل، فلا يهم مصدر الملاحظة بقدر ما تهم نوعيتها ومدى قوتها وتأثيرها في عملك.
هذه بعض الأخلاقيات التي عليك الالتزام بها أخي المصمم إن أردت بلوغ درجة الاحتراف، فالأمر ليس هينا وقولا باللسان فقط، ولكن ما تصدّقه تصرّفاتك وينعكس في معاملاتك، فعليك أيضا ألا تركز كل هدفك في ملء الجيوب والتباهي بكثرة المشاريع المنجزة فقط، بل النوعية والمنهجية الصحيحة هما أصل النجاح، كما أنك في بناء مستمر لشخصيتك الفنية واسمك التجاري، لتقطف ثمار تلك الجهود مستقبلا إن شاء الله.